العلا تحت الأضواء: كيف تعيد الشراكة السعودية الفرنسية إحياء التراث الحضاري؟

تعد مدينة العلا من أبرز المواقع التاريخية في المملكة العربية السعودية، حيث تتمتع بمكانة ثقافية وحضارية متميزة، جعلتها وجهة سياحية مهمة على الصعيدين المحلي والدولي. منذ آلاف السنين، كانت العلا محط أنظار الحضارات المختلفة، واليوم، تسعى المملكة إلى تحويلها إلى مركز عالمي للثقافة والسياحة، في إطار رؤية السعودية 2030.

في هذا السياق، أبرمت المملكة العربية السعودية اتفاقية مع الجمهورية الفرنسية في 10 أبريل 2018، بهدف تطوير محافظة العلا وتحويلها إلى وجهة سياحية فريدة، مع الحفاظ على تراثها الثقافي والتاريخي الغني. وقد تم توقيع الاتفاقية بحضور ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث أثمر هذا التعاون عن نتائج ملموسة في السنوات الماضية.

دور الوكالة الفرنسية في تطوير العلا

تُعد الوكالة الفرنسية لتطوير العلا (AFALULA) من الجهات المحورية التي تسهم في تحقيق أهداف هذه الشراكة. وفقًا للأستاذة هنادي بنت إبراهيم أبوخديجة، عضو هيئة تدريس جامعة طيبة في فرع العلا، فإن الوكالة لعبت دورًا كبيرًا في نقل الخبرات الفرنسية إلى المملكة، وتقديم الدعم التقني والثقافي في مجالات متنوعة. هذا التعاون أثمر عن توقيع أكثر من 170 عقدًا مع شركات فرنسية متعددة منذ عام 2019، مما ساعد في تسريع عملية تطوير المدينة.

شراكات استراتيجية لتعزيز التعاون الثقافي

من أبرز مظاهر هذا التعاون الثقافي هو الاتفاق بين المركز الوطني للفنون والثقافة (مركز جورج بومبيدو) والهيئة الملكية لمحافظة العلا، الذي يهدف إلى إقامة متحف عالمي معاصر في العلا. بالإضافة إلى ذلك، شهدت المدينة تطورًا ملحوظًا في مجالات الفنون والموسيقى والسينما والآثار، وذلك بفضل الزيارات المتبادلة بين المسؤولين الثقافيين في كلا البلدين، مثل زيارة وزيرة الثقافة الفرنسية إلى السعودية في مارس 2024، وزيارة وزير الثقافة السعودي سمو الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود إلى فرنسا في يونيو 2024.

الشراكة العلمية في الحفاظ على التراث

أما في المجال العلمي، فقد استمرت الشراكة المثمرة بين المملكة وفرنسا عبر توقيع اتفاقيات مع جامعة باريس الأولى بانثيون – سوربون. هذه الاتفاقيات تهدف إلى تعزيز تبادل المعرفة والخبرات بين البلدين، وكذلك تطوير القدرات البشرية في مجالات الآثار والتاريخ والفنون. أحد أبرز الإنجازات هو مشروع “فيلا الحجر” الذي أُطلق في ديسمبر 2024، وهو أول مؤسسة ثقافية سعودية فرنسية تهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي للعلا وتعزيز الشراكة بين البلدين في هذا المجال.

أهمية منطقة الحجر وتطويرها

تعتبر منطقة الحجر، التي تضم آثارًا تاريخية مدهشة، من أبرز المواقع التي تحظى بالاهتمام في إطار هذه الشراكة. تقع هذه المنطقة على مفترق طرق تاريخية في شبه الجزيرة العربية، وتعتبر من أهم المواقع الأثرية في المنطقة. من خلال مشروع “فيلا الحجر”، يسعى الجانبان السعودي والفرنسي إلى استثمار خبرات فرنسا في مجال الحفاظ على التراث، وإنشاء مراكز سياحية وثقافية تسهم في الحفاظ على هذا الموقع التاريخي العريق.

رؤية مستقبلية للتعاون المستدام

ختامًا، فإن الشراكة السعودية الفرنسية في العلا تمثل نموذجًا للتعاون الثقافي والعلمي الذي يهدف إلى الحفاظ على التراث وتعزيز السياحة المستدامة. بفضل هذه الشراكة، يتوقع أن تتحول العلا إلى وجهة عالمية للثقافة والسياحة، تتماشى مع رؤية المملكة 2030 وخطة فرنسا 2030. كما أن هذا التعاون سيشكل خطوة مهمة نحو بناء جيل مثقف وواعٍ، قادر على الحفاظ على إرثه الثقافي وتحقيق التقدم في المستقبل.

عن admin

شاهد أيضاً

سمو ولي العهد يلتقي رئيس جمهورية المالديف ويبحثان تعزيز العلاقات الثنائية وفرص التعاون المستقبلي بين البلدين

في لقاء رسمي هام، استقبل صاحب السمو الشيخ محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، …