لا تزال حرفة التجليد والتذهيب واحدة من أبرز الفنون التراثية التي لعبت دورًا محوريًا في الحفاظ على المعارف الإنسانية عبر القرون. هذه الحرفة العريقة لم تكن مجرد عملية فنية لتزيين الكتب أو إعطائها مظهرًا جماليًا فحسب، بل كانت في جوهرها وسيلة لصون الهوية الثقافية والفكرية، وضمان استمرار انتقال المعارف من جيل إلى آخر. ويُعد التجليد بما يتضمنه من لمسات دقيقة، والتذهيب بما يحمله من فخامة ورونق، شاهدين على براعة الحرفيين الذين نذروا أنفسهم لخدمة الكتاب والكلمة المكتوبة.
لقد ارتبط هذا الفن ارتباطًا وثيقًا بالحضارة العربية والإسلامية، حيث كان العلماء والأدباء يولون اهتمامًا بالغًا بجودة المخطوطات، ليس فقط من حيث محتواها، بل أيضًا من حيث جمالها ومتانتها. كان التجليد يضمن حماية صفحات المخطوطات من عوامل الزمن والتلف، بينما يضيف التذهيب لمسة من السحر والهيبة تعكس قيمة الكتاب العلمية والدينية.
ومع مرور الزمن، لم تفقد هذه الحرفة بريقها رغم دخول الطباعة الحديثة وظهور الكتب الإلكترونية. فما زال الكثيرون يعتبرون الكتب المزينة بالتجليد والتذهيب بمثابة تحف فنية نادرة، تحمل في طياتها عبق التاريخ وأصالة الحرف اليدوية. وقد أصبحت بعض هذه الكتب مرصعة بالذهب والأحجار الكريمة تُعرض في المتاحف وتُعد من الكنوز الثقافية التي لا تُقدر بثمن.
كما أن استمرار الاهتمام بهذه الحرفة اليوم يعكس تقدير المجتمعات لقيمة التراث وحرصها على عدم اندثاره. فهناك مبادرات لتعليم الأجيال الجديدة أصول هذا الفن، باعتباره من ركائز الهوية الثقافية، ووسيلة لتأكيد الارتباط بين الماضي والحاضر.
شاهد أيضاً
عرض مسرحي بعنوان “ترحال” يمزج الضوء بالحركة
شهدت الساحة الثقافية عرضًا مسرحيًا مميزًا تحت عنوان “ترحال”، وهو عمل فني مزج بين الإضاءة …