شهدت المملكة العربية السعودية في الآونة الأخيرة ظاهرة اجتماعية لافتة، حيث بدأ العديد من السعوديين من مختلف الأعمار في العودة إلى ممارسة ألعاب الطاولة التقليدية، مثل الطاولة والدومينو والشطرنج والكيرم وغيرها، بعد سنوات من الانشغال الكبير بالأجهزة الإلكترونية والشاشات الرقمية. هذا التحول الملحوظ جاء نتيجة رغبة الكثيرين في استعادة الأجواء الأسرية والودية التي كانت تميز الجلسات العائلية واللقاءات بين الأصدقاء، بعيداً عن العزلة التي فرضتها الهواتف الذكية وألعاب الفيديو.
ويلاحظ أن المقاهي والمجالس الشعبية باتت تستعيد ألقها القديم، حيث يجتمع الشباب وكبار السن حول طاولات الألعاب، يتبادلون الأحاديث والضحكات، ويستمتعون بروح المنافسة الودية التي تخلقها هذه الألعاب. كما أن العائلات السعودية بدأت تخصص أوقاتاً أسبوعية للعب الجماعي، في محاولة لتعزيز الروابط الأسرية وإحياء ذكريات الماضي الجميل، حيث كانت ألعاب الطاولة جزءاً أساسياً من الترفيه المنزلي قبل انتشار وسائل الترفيه الرقمية.
ويعزو كثيرون هذا التوجه الجديد إلى رغبة المجتمع في التخلص من آثار العزلة الاجتماعية التي فرضتها التكنولوجيا، خاصة بعد فترات طويلة من الإغلاق والتباعد الاجتماعي خلال جائحة كورونا. كما أن هناك وعياً متزايداً بأهمية تقليل الوقت الذي يقضيه الأطفال والشباب أمام الشاشات، لما له من آثار سلبية على الصحة النفسية والجسدية، مثل ضعف التركيز وقلة الحركة والتواصل الاجتماعي. لذلك، أصبحت ألعاب الطاولة وسيلة فعالة لاستعادة التفاعل الاجتماعي الحقيقي، حيث تعتمد على التواصل المباشر والذكاء وسرعة البديهة، وتمنح المشاركين فرصة للضحك والتعلم والتنافس في أجواء صحية وآمنة.
ولم تتوقف هذه العودة عند حدود المنازل والمقاهي فقط، بل بدأت بعض المدارس والمراكز الشبابية في تنظيم بطولات ومسابقات لألعاب الطاولة، بهدف تشجيع الطلاب على تنمية مهارات التفكير الاستراتيجي والعمل الجماعي. كما أن بعض الشركات والمؤسسات بدأت تعتمد هذه الألعاب كوسيلة لتحفيز الموظفين على التعاون وكسر الروتين اليومي، مما ساهم في تعزيز الروح الإيجابية داخل بيئة العمل.
وفي ظل هذا الإقبال المتزايد، ظهرت مبادرات محلية لتصنيع وتطوير ألعاب الطاولة بأشكال حديثة تجمع بين التراث والابتكار، مع الحرص على إبراز الهوية السعودية في التصاميم والقواعد، مما أضفى على هذه الألعاب طابعاً وطنياً مميزاً وجعلها أكثر جاذبية للأجيال الجديدة.
وبذلك، يمكن القول إن عودة السعوديين إلى ألعاب الطاولة التقليدية ليست مجرد موضة عابرة، بل هي تعبير عن رغبة عميقة في استعادة القيم الاجتماعية الأصيلة، والتواصل الإنساني المباشر، وبناء ذكريات مشتركة بعيداً عن العزلة الرقمية. ويبدو أن هذا التحول سيستمر في النمو، ليعيد لألعاب الطاولة مكانتها في المجتمع السعودي كوسيلة ترفيهية وثقافية تجمع بين المتعة والفائدة وتعيد الدفء للعلاقات الأسرية والاجتماعية.