شهدت مدينة الرياض خلال شهر يوليو 2025 ظاهرة غير مسبوقة تمثلت في غياب تام للعواصف الغبارية، حيث أعلن “مركز العواصف الغبارية” أن العاصمة السعودية سجّلت انخفاضًا بنسبة 100% في نشاط العواصف الترابية مقارنة بالمعدلات التاريخية المعهودة لهذا الشهر، في سابقة مناخية فريدة أثارت اهتمام الخبراء والمواطنين على حد سواء.
لطالما عُرفت الرياض بكونها واحدة من المدن الأكثر عرضة للعواصف الغبارية خلال فصل الصيف، نتيجة لطبيعتها الجغرافية وموقعها وسط شبه الجزيرة العربية، حيث تتقاطع فيها الرياح الحارة والجافة التي تُثير الغبار من المناطق الصحراوية المحيطة. غير أن ما حدث هذا العام يُعد استثنائيًا، إذ لم تُسجَّل أي عاصفة غبارية طوال أيام شهر يوليو، لتبقى السماء صافية تمامًا، في مشهد نادر الحدوث بالنسبة لسكان المدينة.
وقد عزا الخبراء هذا التغير الكبير إلى مجموعة من العوامل المناخية والبيئية المتداخلة، من بينها التغيرات في أنماط الرياح الموسمية، وارتفاع مستويات الرطوبة النسبية في بعض الفترات، بالإضافة إلى تأثيرات بعض الظواهر الجوية الكبرى مثل “النينيو”، التي يُعتقد أنها لعبت دورًا في إعادة توزيع الكتل الهوائية على مستوى شبه الجزيرة. كما أشار بعض المختصين إلى أن جهود المملكة في مكافحة التصحر، وزيادة المساحات الخضراء في محيط الرياض، ربما بدأت تُظهر نتائج ملموسة على مستوى تقليل كمية الغبار المتطاير.
من الناحية المجتمعية، عبّر العديد من سكان الرياض عن ارتياحهم الكبير لاختفاء الغبار الذي لطالما سبب لهم مشكلات صحية مثل الحساسية والربو، وأثر على أنشطة الحياة اليومية وساهم في تدني الرؤية الأفقية. وقد استغل كثيرون هذه الأجواء المستقرة في ممارسة الأنشطة الخارجية، والاستمتاع بالمقاهي والمطاعم المفتوحة، في حين سجل قطاع الطيران تحسنًا ملحوظًا في حركة الملاحة الجوية دون أي تعطيلات ناتجة عن الظروف الجوية، وهو أمر نادر في أشهر الصيف.
كما أتاح صفاء الجو للمهتمين بالفلك والظواهر السماوية فرصة نادرة لرصد النجوم والكواكب ليلاً، دون أن تحجبها طبقات الغبار المعتادة. وأبدت مؤسسات علمية وتعليمية اهتمامًا بتوثيق هذه الظاهرة وتحليلها ضمن جهود أوسع لفهم التحولات المناخية في المنطقة، والتي يبدو أنها تسير نحو المزيد من التطرف في الاتجاهين، سواء على مستوى الجفاف أو الأمطار، أو على صعيد ارتفاع درجات الحرارة مقابل تغير أنماط الرياح.
وفي حين لا يمكن الجزم ما إذا كانت هذه الظاهرة ستتكرر في المستقبل أم أنها حالة استثنائية، فإن غياب العواصف الغبارية عن الرياض في يوليو 2025 يُعد حدثًا لافتًا يستدعي المتابعة والدراسة، خاصة في ظل التغيرات المناخية العالمية المتسارعة التي تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على استقرار الطقس في مختلف مناطق العالم، بما في ذلك منطقة الخليج العربي.